يسود بلادنا العربية منذ زمن توجه نحو التفكير بمنطق السوق و براجماتية حسابات المكسب و الخسارة عندما يتعلق الأمر بقضايانا السياسية .. و فى إطار فكر السوق لا يبدو لإعتبارات العاطفة القومية أو الحقوق التاريخية أى قيمة عملية ما دام لا يمكن تحويلها لأوراق قابلة للصرف من بنوك الشرعية الدولية ..
و يسعى سماسرة الأوراق السياسية العرب إلى إقناعنا بأن إستثماراتنا فى مشروع القضية الفليسطينية قد فشلت بشكل ذريع و إنخفضت القيمة السوقية لأسهمها إلى أدنى معدلاتها و ليس أمامنا اليوم إلا أن نبيع و بأسرع وقت ممكن ما نملكه من هذه الأسهم لنخرج بأى قدر متاح من الأصول الثابتة فى مقابل أموالنا المهدرة و لنوقف نزيف الخسائر المستمر..
و لكن المتعاملين فى البورصات يعرفون جيدا أن خسارتك الناجمة عن تدنى قيمة الأوراق التى تملكها هى خسارة إفتراضية و لن تتحول إلى خسارة حقيقية إلا فى حال أنك بعت هذه الأوراق .. فإذا كان بإمكانك أن تنتظر بعض الوقت فثمة أمل دائما فى أن تعاود قيمة أسهمك الإرتفاع و حينها يمكنك أن تبيع دو خسارة و ربما تحقق بعض الأرباح أيضا..
الإنتظار مع ذلك له ثمنه .. فهذه الأوراق هى أموال مجمدة لا يمكنك الإنتفاع بها .. و إذا كنت تمر بضائقة أو ضوائق متراكمة فأنت فى حاجة ماسة إلى تسييل أوراقك و تحويلها إلى أموال لمواجهة أعبائك المختلفة .. و يوضح لنا السماسرة العالمون بالأمور أنك بعنادك تعرض مزيدا من الأصول للضياع حيث أنك رهنت الكثير منها فى فترات سابقة و على الرغم من أنك تعلم تماما أن صكوك الرهن مشكوك فى أمرها كما أنك لا تعرف بأى شيئ أنفقت القروض المختلفة التى رهنت أصولك للحصول عليها إلا أنك لا تستطيع تجنب مطالبات البنوك الكبرى لك بسداد مستحقاتها و إلا فإنها ستعمد إلى الحجز على ممتلكاتك لإستيفائها..
الموقف محير بالتأكيد خاصة أنك لا يمكنك أن تثق تماما فى نصائح السماسرة لأنهم فى النهاية يحصلون على عمولاتهم فى البيع و الشراء و عند رهن الأصول و عند الحصول على قرض أو سداده .. أكثر من ذلك فهؤلاء السماسرة هم ذاتهم من عهدت إليهم بإدارة مشروعك منذ البداية ثم أذعنت لمطالبتهم لك بوضع كل أمورك تحت إدارتهم لضمان توفير التمويل اللازم لإنجاح المشروع ثم قدمت لهم تفويضا بعد الآخر يسمح لهم بممارسة دورهم الإدارى دون تعقيدات رقابية منك و دون أى حق لك فى التدخل و ذلك حرصا على تيسير عملهم .. و قد قبلت منهم تبريراتهم لفشل المشروع – فى زعمهم – بسبب تقلبات الأسواق و إنخفاض قيمة أسهمك فيها بشكل عام .. كما أنك تقبلت إتهامهم لك بأن توانيك و تكاسلك فى العمل كان سببا فى الخسائر التى منيت بها إستثماراتك المختلفة رغم الكفاءة غير المشكوك فيها التى أداروا بها هذه الإستثمارات عبر السنين..
لقد باع بعض هؤلاء السماسرة جزءا من محفظة أوراقك السياسية سابقا و ذلك مقابل فك رهنية بعض ممتلكاتك الثمينة التى سبق لهم خسارتها على طاولة القمار .. وقد أقنعوك حينها أن ممتلكاتك هذه ستعود إليك كاملة و ما عليك إلا أن تبيع بعضا من أوراقك ذات الملكية المشتركة و أن الشارى سيتحمل عبء التفاوض مع شركائك من أجل شراء حصصهم و أنه يؤكد أن هؤلاء الشركاء سيحصلون بدورهم على كافة ممتلكاتهم المرهونة .. و كلها رهنت بالطبع وفاءا لدين القمار المشار إليه سابقا..
المشكلة أن التعاقد الذى وقعت عليه لم يمنحك حرية كاملة فى التصرف بممتلكاتك التى إستعدتها نظريا و بدا أن أحد البنود يسمح بإعادة الحجز على هذه الممتلكات فى أى وقت وفقا لتقدير الدائن رغم أنه من المفروض أنك قد قمت بسداد ديونك كاملة بالفعل!! .. فى المقابل تعثرت مفاوضات الشارى مع بقية الشركاء و فى حين حصل أحدهم على شروط لفك الرهن مشابهة لحالتك إلا أن البقية لم يمنحوا نفس الشروط .. رغم أنك قد وعدت سابقا بأن الشروط ستظل ثابتة..
و اليوم أنت مطالب ببيع أى أسهم تبقت لك فى المشروع كما أنك مطالب بالضغط على شركائك للقبول بالشروط المتاحة لفك الرهن عن ممتلكاتهم و بمقتضى هذه الشروط سيحصلون فقط على جزء من ممتلكاتهم و ستكون لهم حقوق محدودة فى التصرف بهذا الجزء .. و الغريب أنك فى البداية قد دعيت إلى حضور التفاوض كوسيط خاصة و أن شركاءك كانوا حتى وقت قريب يثقون بك و لكن حيث أن السماسرة الذين يتولون أمورك قد نابوا عنك فى الحضور و قاموا بممارسة ضغوط غير قانونية على الشركاء و ذلك مقابل عمولات أزجيت إليهم من تحت الطاولة فقد تدنت بشدة مصداقيتك لدى شركائك .. و مع تدنى المصداقية و تحول دور الوساطة التطوعى إلى إلزام قد يؤدى عدم الوفاء به إلى محاذير شتى فإن السماسرة قد أوضحوا أن عليهم أن يرفعوا من حدة ضغوطهم التى يمارسونها بإسمك على شركائك حتى إذا إسفرت تلك الضغوط عن إلحاق أذى شديد بشركائك هؤلاء!!
لا شك و أنك فى مأزق صعب عزيزى المستثمر و بتعبير خبير عالمى:
You’re in deep shit.
و النصيحة الأولى للخبير العالمى هى:
Fire the mother fuckers porkers, you miserable fool!