السبت، 9 مايو 2009

دراع مرسى

يقف بهجت الأباصيرى ليلقى خطبة عصماء فى زملاء كفاحه حول المنعطف الصعب و مرحلة الكفاح الجديدة على ضوء التطورات الجديدة.. يبدو أن كلام بهجت كان معقدا و لكنه لم ينسى أن يأتى على ذكر دراع مرسى الذى كسر فى المعركة الأخيرة.. و بينما تساءل أحد الزملاء:
-إنت بتقول إيه يابنى أنا مش فاهم حاجة؟!
صاح مرسى قائلا:
-الراجل ده بيتكلم صح.. ما دام قال دراع مرسى يبقى بيتكلم صح..

تضج قاعة المسرح بالضحك و يضج المشاهدون أمام شاشة التلفاز بالضحك أيضا و لابد أن الملايين قد ضحكوا على هذا المشهد و غيره من مشاهد المسرحية التى ربما تكون الأكثر نجاحا فى تاريخ المسرح المصرى و هى أحد مسرحيات قليلة تم تسجيلها على شرائط كاسيت فى زمن كان فيه الفيديو أغلى من أن يحصل عليه أكثرية المصريين و لم تكن وسائل حفظ التسجيلات المعصرة قد ظهرت بعد و أعتقد أنها كانت أول مسرحية تحظى بمثل هذا الإهتمام و لم يتبعها فيه الكثير.

قد يقودك نجاح المسرحية و حقيقة أن الجميع يضحكون على هذا المشهد بالذات إلى الإعتقاد بأن الجميع يفهمون بالضبط ما يشير إليه.. و ربما تظن أيضا أننا قد تعلمنا الدروس المختلفة فى هذا المشهد.. و لكن الشواهد تؤكد خلاف هذا.

مرسى و بهجت يمثلان ثنائية تقليدية شائعة يعبر عنها مرسى عندما يقول موجها حديثه إلى بهجت فى مشهد آخر:
- إحنا طول عمرنا بنكمل بعض إنت المخ و أنا العضلات.

ثنائية القوة العمياء و القيادة المبصرة التى توجه القوة ثنائية قديمة جدا و لها العديد من الأشكال و لكنها هنا كانت تشير إلى ثنائية الشعب البسيط و المثقف.. و المسرحية كانت رسالتها توضيح أن المثقف الضال يقود الشعب المضلل فى عكس إتجاه مصالحه و بالتالى يقوده إلى صراع غير مبرر مع السلطة (الناظر و المعلمة) مما يؤدى إلى أن تضطر السلطة إلى إستخدام القوة المبررة لترد الشعب إلى الصواب..

المسرحية فى الواقع كانت تركز على الطلبة فى وقت كان فيه العداء مستحكما بين الرئيس أنور السادات و بين طلبة الجامعات المسيسين و المسرحية تحاول أن تقول لهؤلاء أن السلطة تريد لهم الخير وأن المضللين من المثقفين يضحكون عليهم بدراع مرسى ليقودوهم إلى تضييع مستقبلهم و إلى الصدام المستمر مع السلطة.

لا يهمنا كثيرا الخطاب المضمر للمسرحية فهو ينتمى إلى زمن مضى و قد تم بالفعل للسلطة حينها ما أرادت بعدما إستخدمت وسائل مختلفة لتحقيقه و مرسى اليوم قد فقد الثقة فى بهجت بينما إحتبس بهجت نفسه فى عزلته و كأنما إنكسرت ساعته العقلية فى لحظة الشرخ هذه فهو مازال يعيشها و يجتر أحداثها و لا يتقدم خطوة وراءها و لذا فالمسافة بين بهجت و مرسى قد إتسعت أكثر و أكثر و بينما تعرض مرسى لضربات جديدة و متلاحقة كسرت منه الرأس و الأطراف و أضافت إليه عللا كثيرة فبهجت مازال يريد الحديث إلى مرسى عن ذراعه المكسورة التى لم تشفى بعد غير واع بأن مرسى أصبح ذراعه المكسور هو آخر إهتماماته فى وقت يعانى منه من أمراض أشد خطورة تجعل حياته نفسها مهددة بخطر داهم.

لا يختلف ما أقوله هنا كثيرا عما قلته فى الرسالة السابقة .. فأنا مازلت أتحدث عن التواصل بين دعاة التغيير و بين الشعب الذى يريدون التغيير لتحقيق مصالحه و يحتاجون مساندته فلا يجدون منها شيئا.. ربما الإشارة هذه المرة هى إلى فئة بعينها من دعاة التغيير و هى فئة المثقفين التقليديين و بعضهم حاليا ينتمى إلى بعض الأحزاب المتحفية بينما كفر البعض الآخر بالأحزاب و إنفرد عنها بتجربته الخاصة الأكثر عزلة و إن كانت أقل إبتذالا من تجارب من إنخلاطوا فى العمل الحزبى.

المثقف التقليدى ظل فى سكونه طوال سنين بعضهم خرج عن هذا السكون لبعض الوقت بداعى المشاركة فى الحملة على الإرهاب فى منتصف تسعينات القرن الماضى و ثبت من خلال مشاركاتهم فى هذه الحملة إتساع هذا الخرق بينهم و بين الجماهير بشكل وصل إلى إنعدام التواصل بشكل تام لأنهم نجحوا فقط فى تنفير الشعب منهم بسببين.. أولا إصطدامهم بثوابت فكرية أصبحت أكثر شيوعا و أعمق تجذرا بين معظم الفئات الشعبية و ثانيا إنضواء مشاركتهم تحت عباءة السلطة و إلتصاق بعض رموزهم بالسلطة و إستفادتهم منها..

فى السنوات الأخيرة فوجئ الثقف التقليدى بظهور فئة جديدة من دعاة التغيير.. فئة غير متوقعة لأنها بدون أيديولوجية واضحة و لأنها لا تملك الثقافة ذاتها التى يملكها و كان ظنه أن إمتلاك هذه الثقافة هو شرط أساسى لأى وعى يقود للتمرد على السلطة.

كانت المفاجأة مبهجة و لكن مربكة فى نفس الوقت .. و قد حاول المثقف التقليدى أن يتواصل مع القادمين الجدد و يسعى إلى أن يأخذ دور القيادة لحركتهم و نتيجة لأن بعض نماذج المثقفين الذين أصروا على إعتزال العمل السياسى و عدم المشاركة فى الحملات الحكومية ضد الإرهاب كانوا مايزالون يحتفظون بمصداقية لدى الناس فقد سمح لهم بتولى هذه القيادة.. و لكن هذا اللقاء بين أجيال المطالبين بحقوق الجماهير لم ينجح فى تحقيق التواصل بين المثقف القديم و المثقف الجديد لأن أرضية و حدود و تطلعات كل منهما كنت مختلفة و متناقضة فى معظم الأحيان و ذلك لأن المثقف الجديد لم يكن يدين للقديم يتربيته العقلية أو بتقديم القدوة أو الإلهام بأى شكل.. و الواقع أن كلا الطرفين يرفض ثقافة الآخر .. أحدهما يرى ثقافة الآخر مغتربة و أجنبية عن ثوابت الأمة و الآخر يراها شعبية و سطحية و عشوائية.

الأهم أن كلا الطرفين لم يكن متواصلا بالقدر الكافى مع هؤلاء الذين يفترض بهم تلقى الرسالة.. المثقف القديم إنقطعت صلته بهم منذ زمن بعيد و رأب الصدع أصبح أقرب إلى المستحيل.. المثقف الجديد لديه فرصة أكبر لأن ثقافته فى معظمها هى البناء الأعلى للثقافة الشعبية السائدة و التعبير المنتظم عنها و لكنه يعانى فى الواقع من الإفتقاد إلى المعرفة بأبسط آليات العمل و كيفية إستخدامها و المتى و الأين المتعلقين بذلك..

المثقف الجديد يلفت إنتباه الجماهير أحيانا فهو يتحدث لغة قريبة منهم إلى حد ما و لكن رسالته المختلطة و القفز غير المبرر إلى إستخدام آليات لم يتوفر لإستخدامها الظرف المناسب بعد يجعل هذه الجماهير فى حيرة من أمره و من ثم تراه منفصلا عنها و يظل التواصل منقطعا بينها و بينه..

ربما تكون بداية تحريك الوضع هى فى لقاء حقيقى بين بهجت القديم و الجديد فلا شك أن بهجت الجديد يحتاج إلى المنهجية و المعرفة بالآليات و كيفية إستخدامها و هذه أشياء يملكها بهجت القديم.. أما بهجت القديم فهوفى حاجة إلى همزة الوصل التى يملكها بهجت الجديد و لا يملكها هو و التى من خلالها يمكنه الوصول إلى جماهير طال إغترابه عنها.

ليس مثل هذا اللقاء سهلا و لكنه ممكن و ربما يكون الحديث لاحقا عن شروط تحقيقه..

هناك 5 تعليقات:

مي ثابت يقول...

أضفت بعداً على المسرحية .. أعتقد أن على سالم مؤلفها لم يكن ليدركه .



لكنى شعرت كما لو كنت أمام لوحة أُعطيت فيها مسقط واحد ... و بالتالى لم أتمكن من تكوين الأيزومترى .


من المقصود هنا ببهجت القديم و الآخر الحديث ؟



هل هو داخل التنظيم أو الحزب الواحد .. كأن يكون هناك تياران لهما نفس التوجه و لكن برؤية قديمة و حديثة؟؟


أم المقصود به الكيانات القديمة بمجملها الشرعى منها أو المحظور.... ثم كفاية و 6 إبريل على سبيل المثال ؟؟


ليس مثل هذا اللقاء سهلا و لكنه ممكن و ربما يكون الحديث لاحقا عن شروط تحقيقه..إنتهى الإقتباس


فى إنتظار شرح وسائل تحقق اللقاء.



و شكراً لتعديل كتابة التعليقات.

غير معرف يقول...

بيتهايلي عمر اللقاء ده ما هيتم

و بيتهيالي برضه حضرتك عارف الاسباب

تحياتي

يا مراكبي يقول...

ومازال الحديث ممتدا عن الهوة بين دعاة التغيير والشعب الكادح .. وإن كان الجديد هنا هو التركيز على دعاة التغيير وبصورة تاريخية متمثلة في بهحت القديم والحديث

فبعيدا عن الإختيار الموفق للشخصية .. إلا أنني لا أرى فرقا جوهريا بين البهجتين .. قد يبدو بهجت الحديث هو الأقرب للجماهير .. لكن ذلك القرب مظهريا وليس عميقا .. فالأدوات التي يستعملها بهجت الحديث هي أبعد ما يكون عن إستيعاب الشعب .. وعن إستيعاب بهجت القديم أيضا

Kalimalhus يقول...

@مى
----
بهجت الجديد يمثله نشطاء كفاية و 6 إبريل و غيرهما من الحركات ذات الوجود القوى على شبكة المعلومات و الوجود المثير للإهتمام أيضا فى نشرات الأخبار و برامج التوك شو .. تواجدهم فى الشارع يجهضه دائما حصار أمنى محكم و تعامل غليظ إلى حد يثير الدهشة و إن كانت كفاية تحديدا نجحت فى البدايات فى تحقيق تواجد لافت فى الشارع نتيجة للظرف التاريخى فى سنة العجائب 2005.

بهجت القديم يمثله الكثيرون من مثقفينا و يمكن أن تضمى إليه الإخوان بشكل ما و إن كانت تجربتهم لها طبيعتها الخاصة..

يمكنك أن تلاحظى عملية التلاقى بين الطرفين فى القيادات المعلنة لحركة كفاية.

الإشكالية مع بهجت الجديد أنه يصعب فى الواقع تصنيفه فهو بلا أيديولوجية و هذه ميزة و عيب فى الوقت نفسه.. إنعدام الأيديولوجية تحرر من قيودها و لكنه قد يكون أيضا إنفلات من أى إطار تنظيمى يحقق فعالية التحرك.. و ربما يكون ذلك حافزا لخلق نوع جديد من الأطر التنظيمية غير أيديولوجى و لكن هذا موضوع آخر..

أشكر إهتمامك و أتمنى أن أستحق إستمراره..
------------------------------
@المعلم محمد.. نورت يا معلم.. عديت على البروفيل بتاعك و شفت طبق الطعمية و نفسى راحت عليها.. إبقى هاتلنا قرصين معاك و إنت جاى المرة الجاية..

لو انا شايف اللقاء مستحيل ما كنتش إتكلمت عنه أصلا.. أنا معاك إن فيه أسباب تخليه صعب بس وحدة الهدف ممكن تذلل كل الصعاب لو صحيح كان الهدف ده عزيز علينا.
--------------------------------
@المراكبى
--------
طبعا إنت صاحب بيت و بالتالى مش ها أرحب بيك و يمكن أطلب منك تمد إيدك و تروق معايا الصالون.

يا راجل؟؟ ده بهجت الجديد ما يشبهش بهجت القديم فى حاجة خالص غير كونهم بلديات.. ببساطة كده بهجت الجديد يبقى إبن مرسى الصغير ده عشان إبنه الكبير سافر الخليج و إبنه الوسطانى راح العراق مارجعش.. الصغير لا لقى سفر للخليج و لا سفر للعراق و لأنه نبيه ما فكرش يهاجر فى مراكب الوان واى..
المهم إن بهجت الجديد عشان ما يعرفش بلد تانية يقدر يعيش فيها فقرر إنه لازم يخليها صالحة لمعيشة الآدميين..

بهجت الجديد أقرب كتير لمرسى من بهجت القديم رغم إنهم كانوا أصحاب زمان .. ده حتى سمى بهجت إبنه على إسم صاحبه.. كل ما هنالك إن مرسى شايف الواد بهجت ده طايش و هيودى نفسه و عيلته فى داهية و هايبهدل شيبة أبوه فى الأقسام على آخر الزمن.. بس دى حكاية طويلة يمكن نحكيها بعدين.

غير معرف يقول...

حرام

انا خلاص معدش حد معديلي اسم المدونة خالص !