أهم ما يفصل بين شباب التغيير و عواجيزه هو فارق الزمن.. و هذا أمر أكثر من متوقع فكل فريق هو نتاج و تربية عصر مختلف و ربما يفاقم الوضع غياب جيل الوسط فهو لو وجد عمريا أى مثله أشخاص تقع أعمارهم فى مجموعة بين الفئة العمرية للشباب و الفئة العمرية للعواجيز فهو ينتمى تكوينا و فكرا إلى عواجيز التغيير وبالتالى تفصله نفس المسافة تقريبا عن شباب التغيير..
المشكلة الحقيقية فى ذلك الفاصل الزمنى إذن هى إنقطاع التجربة الفكرية.. فتجربة شباب التغيير لا تبنى مطلقا على تجارب عجائزه و هم فى أغلب الأحوال لا علم لهم بهذه التجارب أو معرفتهم بها مشوهة إلى أبعد حد و لذا فهى أقرب إلى أن تنفرهم من التعامل معهم أو على الأقل تجعلهم فى حال من التشكك الدائم فى نواياهم و مقاصدهم.
تجربة شباب التغيير فى الواقع تكاد لا تنبنى على أى أساس سوى الرغبة الشديدة فى التغيير و الشعور المسيطر بضرورته.. فهم يريدون التغيير و يريدونه الآن و لذلك يقفزون نحو تحقيقه إلى آليات الحل الأخير مباشرة و هو أمر أثار حفيظة النظام و إنزعاج الناس و إمتعاض عواجيز التغيير.. تجارب شباب التغيير تبدأ من منتصف الطريق مباشرة و هى تبدأ بالفعل ثم تقوم بالتنظير لاحقا.. و تجربة شباب 6 إبريل نموذج لذلك فهى بدأت بالدعوة لإضراب عام و بعد النجاح النسبى لهذه الدعوة تكونت الحركة التى بدأت تبحث عن منهج و رسالة واضحة و بينما تقوم بذلك دعت من جديد إلى إضراب عام فى ذكرى الإضراب الأول و لم يكن حظ هذا الإضراب من النجاح قريبا حتى من حظ الأول و هو أمر متوقع للأسف..
دعنا ننظر فى عناصر القصور فى عمل حركة 6 إبريل كنموذج مهم..
بدأت الحركة كما قلنا بالدعوة لإضراب عام .. و أغلب الظن أن من دعوا إليه لم يجل بخاطرهم أن الإضراب العام هو فى الواقع الخطوة الأولى للعصيان المدنى.. و هذا هو ما أثار حفيظة النظام و أطلق يده فى بطش حاد و سريع بأصحاب الدعوة و من إستجاب لهم و لا شك أن النظام أصيب بالفزع الشديد عندما رأى دعوة تنطلق على الإنترنت إلى ما يشبه العصيان المدنى تلقى إستجابة وقد كان إدراك النظام لخطورة الأمر أكبر كثيرا من إدراك من أطلقوا الدعوة أنفسهم و لذلك فقد أدهشهم إلى حد ما رد فعل النظام على ما قاموا به..
قد لا تكون المشكلة فى خطورة الآلية ذاتها فلو توافرت لها الشروط المطلوبة تكون الخطورة و المخاطر أمرا مقبولا و لكن هذه الشروط لم تتوافر و هذا دليل آخر على أن شباب الحركة لم تكن لهم معرفة بطبيعة الآلية التى حاولوا إستخدامها فى الأساس..
الإضراب العام هو فى النهاية كأى إضراب و إنما يختلف فى حجم المشاركة و حجم المطالب .. و الإضراب لابد لمطالبه من أن تكون محدودة العدد و يستحسن أن يكون له مطلب واحد و الأهم لابد للمطالب من أن يكون تنفيذها الفورى ممكنا.. فلا يمكن مثلا أن تقوم بإضراب لتطلب وعودا كما لا ينبغى أن تقبل مثل هذه الوعود إذا عرضت عليك.. الإضراب أيضا ليس وسيلة للتعبير عن رأى بل هو وسيلة للحصول على حق و لذلك فعندما تقوم بإضراب تستمر فيه حتى تجاب مطالبك و فى حالة الإضراب العام يكون الإستمرار فيه هو العصيان المدنى.
و عند النظر فى الدعوة إلى إضراب 6 إبريل لم يكن معظم هذه الملامح متوافرا.. كان عدد المطالب محدودا و لكن بعضها كان أمنيات تجاب بوعود و البعض الآخر كانت الإستجابة له إن تمت تنفى الوعود الأولى.. كيف؟.. مطلب زيادة الحدالأدنى للأجور.. لا يمكن إجابته إلا بوعد بتقديم قانون بهذا الشأن إلى مجلس الشعب.. أما مطلب تشكيل لجنة لوضع دستور جديد فهو يعنى إقامة نظام جديد و من ثم فالحكومة التى وعدت بتنفيذ المطلب الأول و مجلس الشعب الذى سيصدر القانون كلاهما ينتهى وجودهما بتنفيذ الوعد الثانى و واقع الأمر إذن أن المطلب الأول و سائر المطالب متضمن أصلا فى مطلب دستور جديد و لذلك فلم يكن ثمة داع لها جميعا و لكن النص عليها كان هدفه أساسا هو إستخدام أحد الكلمات المفاتيح المعروف أنها ستجذب إنتباه عدد أكبر من الناس و ربما تدعوهم إلى المشاركة و لو أنكم تتذكرون رسالتى السابقة فهذه هى دراع مرسى الحالية.
بالطبع لم يكن فى الدعوة إلى الإضراب ذكر لإستمراره حتى تجاب المطالب و لم يكن ذلك فى نية الداعين إليه بغض النظر عن أن ذلك وحده ينفى عنه صفة الإضراب أصلا و يحوله إلى مظاهرة.. و ربما كان ينبغى بمن دعوا إلى الإضراب أن يسموه بذلك.. فالتظاهر لا يطلب تنفيذ مطالبه الآن و فورا و لا يستمر حتى تجاب المطالب و هو فى الواقع وسيلة للفت الإهتمام ثم لإظهار مدى شعبية المطالب وفق حجم المشاركين فيه و لذلك فهو خطوة سابقة على الإضراب تبعث رسالة مضمونها فكروا جديا فى إجابة مطالبنا فنحن من القوة بحيث يمكننا تنفيذ الإضراب الذى سيرغمكم على إجابتها..
لم أذكر بالطبع أمورا مثل أن الإضرابات تتطلب عادة وجود جهة قيادة و جهة تفاوض إذا كان التفاوض مقبولا و تفاصيل أخرى ليست مهمة هنا لأن الهدف مما قلته هو توضيح أن شباب الحركة لم تكن لديهم فكرة واضحة عن الآلية التى إختاروا إعلانها و من ثم كان إستخدامهم لهذه الآلية لا علاقة له بشروطها أو بأسلوب إدارتها.. ولا داعى أيضا للبحث مطولا فى إذا ما كان الإضراب قد نجح أم لا فالإضرابات لا تنجح بنسبة المشاركة بل تنجح بتحقيق المطالب و كل ما دون ذلك هو عمليا يقع فى خانة الفشل و لكن إذا نظرنا إلى ما كان على أنه دعوة إلى التظاهر أو التعبير الجماعى عن التضامن فى المطالبة بحقوق محددة سواء كان التضامن من خلال الخروج إلى الشارع أو التظاهر فى الجامعات أو الإمتناع عن العمل فيجوز هنا الحديث عن نسبة المشاركة و يجوز لنا أن نتحدث عن نجاح نسبى.
ربما يسهل هنا أن نفسر أوجه قصور تجربة 6 إبريل بالإفتقار إلى الخبرة بالعمل السياسى و نقفز فورا إلى القول بأنه لو طلبت الحركة النصيحة من بعض عواجيز التغيير لتجنبت أوجه القصور و لكننا إذا فعلنا ذلك سنغفل تماما تلقائية الحركة و حقيقة أنها لم تخطط حقيقة للأمر بل إن الحركة ذاتها ظهرت و تكونت بعد الدعوة إلى الإضراب و نتيجة له.. و حتى بعد أن أصبحت الحركة كيانا قائما اليوم لست أعتقد أن ما تحتاجه هو النصح المباشر من عواجيز التغيير و بالتأكيد ليس ما تحتاجه هو قيادتهم لها أو وجود أى علاقة تنظيمية بينها و بينهم..
لماذا تبدو سبل اللقاء هذه مرفوضة؟ الإجابة يمكن تمثلها فى تجربة كفاية السابقة لحركة 6 إبريل و التى ضمت قيادات من قدامى المثقفين و الممارسين للنضال السياسى و التى وصلت اليوم إلى حال يشبه حزبا بلا أيديولوجية و هى بالتأكيد قد فقدت زخمها الحركى الذى بدأت به و أصبحت مصدرا للتصريحات تعليقا على الأخبار بدلا من أن تكون صانعة للأخبار بتحركها على أرض الشارع السياسى.. و فى إعتقادى أن الجمع على مستوى الهيكل التنظيى بين جيلى المطالبين بالتغيير كان هو سبب ما أصاب الحركة..
يبقى السؤال مطروحا دون إجابة حتى الآن كيف يتم اللقاء بين شباب التغيير و شيوخه؟ .. ربما تتضح الإجابة فى الحديث القادم..
هناك تعليقان (2):
so
waiting for the coming post to see the issue complete
تدوينة اليوم أشبه بفنجان الكاباتشينو
حيث ينشغل الجميع بالكريمة الهشة و ما يعلوها من ذرات الكاكاو
و آخر ما يلفت إنتباههم هو القهوة الفعلية التى يحويها الفنجان
فمنذ بداية حركة 6 إبريل
و حديث المحللين عنها يتوقف عند حجمها
معتبرين أن مدى نجاحها يقاس بالكم العددى للمشاركة فيها !!
و فقط .. هذه هى طبقة الكريمة
مع قراءة ما كتبت اليوم بدت القهوة الفعلية
فلم يسبق أن سمعت أو قرأت أحداً قد تعمق فى فهم طبيعة الحركة و أهدافها و هل ما تقوم به إضرب فعلى أم مظاهرة
و ماذا أعدت كخطوات تالية لفشلها أو نجاحها .
فى إنتظار كتابة كيف يتم اللقاء بين شباب التغيير و شيوخه؟
إرسال تعليق